أفلام إسرائيليّة تحصد الجوائز عن قصص فلسطينيّة | ترجمة

من فيلم «ليكن صباحًا» (2021)

 

العنوان الأصليّ: With ‘Let It Be Morning’ and ‘Cinema Sabaya,’ Israeli filmmakers are winning awards  for portraying Palestinian stories.

المصدر: Jewish Telegraphic Agency.

ترجمة: علاء سلامة - فُسْحَة. 

 


 

قبل أعوام، حضرت صانعة الأفلام الإسرائيليّة أوريت فوكس روتيم صفًّا دَرَّسه المخرج إران كوليرين، المشهور بفيلمه «زيارة الفرقة» (2007). في شباط (فبراير) من هذا العام، بدأت دور السينما بعرض فيلم لكلّ منهما في الولايات المتّحدة الأمريكيّة.

خلال مكالمة عبر زوم، مزح الكاتب الفلسطينيّ سيّد قشّوع قائلًا: "ما كان هذا الدرس؟ كيف تستعمل القصص الفلسطينيّة؟".

كان قشّوع مبتسمًا وهو يلقي بدعابته، فهو، على كلّ حال، معروف بحسّه الفكاهيّ السوداويّ، خاصّة في ما يتعلّق بالصراع الفلسطينيّ الإسرائيليّ، كما أنّه كان قد أعطى الإذن لكوليرين من أجل أن يصنع فيلمًا من روايته «ليكن صباحًا» (2021)، وقال إنّه أحبّ المنتج النهائيّ.

لكن، مثل معظم النكات، احتوت نكتة قشّوع على بعض الحقيقة: آخر فيلمين إسرائيليّين رُشِّحا لجائزة «الأوسكار»، والّذين وصلا إلى «كواد سينيما» في نيويورك خلال أسابيع من بعضها البعض، كانا، بدرجات متفاوتة، يحكيان قصصًا فلسطينيّة.

«ليكن صباحًا» كوميديا سوداء تتحدّث عن قرية عربيّة ’إسرائيليّة‘ [في الأراضي الفلسطينيّة المحتلّة عام 1948]، يجري، فجأة ودون سابق إنذار أو تفسير، تطويقها وعزلها عن باقي البلد من قبل الجيش الإسرائيليّ، ما يجبر سكّان القرية الفلسطينيّين، بمَنْ فيهم البطل الّذي يحاول العودة إلى حياة الطبقة الوسطى المريحة في القدس، يتعاملون مع الطريقة الّتي ينزع فيها الاحتلال الإسرائيليّ كرامتهم بصفتهم مواطنين. في «كواد سينما»، يرافق عرض الفيلم عرضًا لأهمّ أعمال كوليرين، من بينها «زيارة الفرقة»، أساس مسرحيّة غنائيّة فازت بجائزة «توني». 

 

تصنيف الفيلم ’إسرائيليًّا‘

في الأسبوع التالي، سيبدأ عرض فيلم روتيم؛ «سينما صبايا» (2021). يتتبّع الفيلم مجموعة من ثمان سيّدات، بعضهنّ يهوديّات، وبعضهنّ عربيّات فلسطينيّات، يتقرّبن من بعضهنّ بعضًا أثناء حضورهنّ صفًّا عن صناعة الأفلام في مركز مجتمعيّ في مدينة الخضيرة. أخبرت دانا إزفي، الّتي تلعب دور معلّمة الصفّ، مجلّة «Jewish Telegraphic Agency»، أنّ الشعور أثناء تجربة تصوير الفيلم كان "كما يجب أن تكون الحياة في إسرائيل… لدينا نساء أكثر في الفيلم ممّا في الحكومة الإسرائيليّة".

من حيث الأسلوب، لا يمكن للفيلمين أن يكونا مختلفين أكثر. «ليكن صباحًا» سرديّة متماسكة، فيها شخصيّات مُدرَكَة بجرأة، وكلّ الحوار تقريبًا بالعربيّة. «سينما صبايا» فيلم حرّ ومرتجل إلى حدّ كبير، تدور كلّ أحداثه تقريبًا في غرفة واحدة، ومعظم حواراته بالعبريّة - في مشهد مبكّر متوتّر، تتجادل الشخصيّات حول ما إذا كان يجب أن يكون الصفّ بالعربيّة أم بالعبريّة؛ فالأوّل كوميديا سوداء كافكاويّة ناشفة، والثاني دراما حميمية وواقعيّة.

 

بوستر فيلم «سينما صبايا» (2021)

 

معًا، يُظْهِر الفيلمان صورة عن الرقصة الّتي على صنّاع الأفلام الإسرائيليّين أن يؤدّوها في المناخ الحاليّ. من جهة، يجري تكريم هذه الأفلام على الساحة الدوليّة بسبب سردهم القصصيّ المتعاطف، والمتمحور بشكل تامّ تقريبًا حول شخصيّات فلسطينيّة. من جهة أخرى، تجري مهاجمتهم من قبل شخصيّات في الحكومة الإسرائيليّة بسبب ما يرونه نقصًا في ولائهم، كما يجري التشكيك في تصنيفهم أفلًامًا ’إسرائيليّة‘، حتّى من قبل بعض العاملين فيها.

"للجميع الحقّ في تسميته ما يشاؤون"، تقول روتيم عن فيلمها: "أنا إسرائيليّة، والفيلم في إسرائيل، ولكن لديّ شركاء يسمّون أنفسهم فلسطينيّين، وبعضهم يسمّون أنفسهم عربًا، وكلّ يعرّف نفسه. أعتقد أنّ الأمور يجب أن تكون هكذا".

 

لا هويّة للفيلم ’الإسرائيليّ‘

"لا هويّة للفيلم"، يصرّ كوليرين في مقابلة مع (JTA): "إنّه مواطن الشاشة". كوليرين ليس معجبًا بتصنيف ’فيلم إسرائيليّ‘ في هذه الحالة، بالرغم من أنّه التصنيف الّذي أُعْطِيَ لفيلمه في «مهرجان كان السينمائيّ» عام 2021، كما أنّ معلومات الفيلم الإعلاميّة تعتبر إسرائيل "دولة المنشأ". عُرِضَ الفيلم بعد المعركة القاتلة بين ’إسرائيل‘ و«حماس»، الّتي قتلت أكثر من 250 فلسطينيًّا في غزّة، وحوالي 10 إسرائيليّين. وقد تحوّل المهرجان إلى عاصفة سياسيّة عندما رفض أعضاء طاقم الفيلم الفلسطينيّين حضور الافتتاح.

"لا يمكننا تجاهل التناقض في دخول الفيلم إلى «مهرجان كان» تحت تصنيف ’فيلم إسرائيليّ‘، بينما تستمرّ إسرائيل في حملة التطهير العرقيّ والطرد والأبارتهايد الاستعماريّة ضدّنا - نحن الشعب الفلسطينيّ - منذ عقود"، قال بيان أعضاء الطاقم.

"في كلّ مرّة تفترض صناعة السينما أنّنا، وعملنا، نقع تحت التصنيف الإثنو-قوميّ الـ ’إسرائيليّ‘، فإنّها تديم الحقيقة غير المقبولة المفروضة علينا نحن الفنّانين الفلسطينيّين الحاملين  للجنسيّة الإسرائيليّة"، يكمل البيان داعيًا المؤسّسات الفنّية والثقافيّة العالميّة "لإسماع صوت الفنّانين والمبدعين الفلسطينيّين".

كوليرين نفسه يدعم موقف الطاقم. كان يعرف أنّهم مفجوعون بالعنف الحاصل في غزّة، وأنّهم لم يريدوا أن يضعوا أنفسهم في موقع "يرفع فيه سياسيّ ما علمه فوق رؤوسهم، أو شيئًا من هذا".

علاوة على ذلك، قال إنّ تصنيف «ليكن صباحًا» فيلمًا ’إسرائيليًّا‘، بالرغم من أنّ حوالي نصف طاقمه كانوا من الفلسطينيّين، لم يكن قراره هو: "لم يُقَدَّم الفيلم إلى «مهرجان كان» بوصفه فيلمًا إسرائيليًّا… أنت تعرف، تعبّئ النموذج، تصل إلى سؤال: أيّ الدول أعطتك أموالًا، وفي هذه الحالة، كان الجواب إسرائيل وفرنسا".

معظم الطاقم لم يحضروا احتفال «جائزة أوفير»، المقابل الإسرائيليّ للـ «الأوسكار»، والّذي تصوّت عليه «أكاديميّة صنّاع الأفلام» الإسرائيليّة، حيث فاز «ليكن صباحًا» بالجائزة الأولى - الّتي جعلته مباشرة مرشّح إسرائيل لجائزة «الأوسكار» لذاك العام. تضامنًا مع الطاقم، قرأ كوليرين بيانًا كتبته الممثّلة الرئيسيّة في الفيلم، جونا سليمان، الّذي انتقدت فيه "جهود إسرائيل الفاعلة في محو الهويّة الفلسطينيّية"، وما سمّته في البيان بـ "التطهير العرقيّ".

 

الإنسانيّة بدلًا من ’الاحتلال‘... الخيال بدلًا من الحقيقة

لم يثر «سينما صبايا» الكثير من الضجّة خارج الشاشة، لكنّ تصوّره عن التعدّدية الثقافيّة في إسرائيل أنّها سياسيّة بطبيعتها. والدة روتيم مستشارة حكوميّة محلّيّة في الخضيرة حول شؤون المرأة، والفيلم يستند إلى تجربتها في صفّ لتعليم التصوير كانت قد شاركت فيه، وهَدَفَ إلى الجمع بين نساء يهوديّات وعربيّات. روتيم نفسها أقامت صفوفًا تعليميّة تحمل الفكرة ذاتها، في خضمّ تحضيرها للفيلم.

في «سينما صبايا»، تطلب شخصيّة إفغي، المصمَّمة لتشبه روتيم، تطلب من الطالبات في صفّها تصوير حياتهنّ المنزليّة، وتطمح سرًّا إلى استعمال تسجيلاتهنّ لتصنع منها فيلمًا. عندما تنكشف رغبتها في ذلك، تشعر النساء في الصفّ بالخيانة: ظننّ أنّهنّ يصنعن أفلامًا خاصّة بهنّ، ليس من أجل أن يحكي شخص آخر قصصهنّ.

يشبه ذلك ما تقوله روتيم عن أنّ العمل مع ممثّلات عربيّات وفلسطينيّات  "جعلني مدركة لحقيقة أنّني لا أستطيع أن أخبر قصصهنّ". كان الحلّ الّذي وصلت إليه هو ترك الممثّلات - بعضهنّ ناشطات معروفات احتجن إلى التفكير مليَّا قبل الظهور في فيلم إسرائيليّ - يعبّرن عن آرائهنّ، وأنّ تصنع ثقة كافية حتّى يظهرن أمام الكاميرا دون نصّ مكتوب.

نظريّتها أنّ «سينما صبايا» لقي استقبالًا حسنًا في إسرائيل لأنّه "لا يقول احتلال، احتلال، احتلال، بل يقول إنسانيّة، وبذلك، فالناس يخافون أقلّ". تقول كذلك إنّ النساء الّلواتي التحقن بصفوفها خفن من أن تصنع فيلمًا عن حياتهنّ، وطلبن منها أن تصنع نسخًا متخيّلة من قصصهنّ عوضًا عن ذلك، وهو ما فعلته.

 

صنّاع السينما الإسرائيليّون والتمويل الحكوميّ

في الآونة الأخيرة، بدأت الحكومة الإسرائيليّة تنظر إلى صنّاع الأفلام في إسرائيل بوصفهم محرّضين لا يستحقّون دعمًا وطنيًّا، خاصّة عندما يصنعون أفلامًا تنتقد الاحتلال. وزيرة الثقافة السابقة، ميري ريغف، استخفّت بالأفلام الّتي اعتقدت أنّها تسيء لإسرائيل، بما فيها أفلام لقيت نجاحًا عالميًّا مثل «فوكستروت» و«مرادفات». خلفها الحاليّ، ميكي زوهار، هدّد صنّاع وثائقيّ جديد حول مدينة الخليل في الضفّة الغربيّة، قائلًا إنّ الفيلم يلطّخ سمعة الجيش، وأنّه قد يكون على القائمين على الفيلم إعادة التمويل الحكوميّ الّذي تلقّوه.

 

بوستر فيلم «ليكن صباحًا» (2021)

 

في السنوات الأخيرة، قدّمت وزراة الثقافة طرحين مثيرين للضجّة: برنامج منح لمَنْ يصنعون أفلامًا في المستوطنات الإسرائيليّة، المخالفة للقانون الدوليّ، ونموذج تعهّد بعدم صناعة أفلام ’مهينة‘ لإسرائيل، أو جيشها، ويتوجّب على المخرجين التوقيع على التعهّد لطلب منح معيّنة، وهو ما ربطه كثير من المخرجين بفكرة قسم الولاء. منذ سنوات وأهمّ الجهات المانحة تطلب من الفنّانين التعهّد بتقديم مشاريعهم بوصفها ’إسرائيليّة‘.

ثمّة كذلك دعوات من قبل بعض أعضاء حكومة نتنياهو اليمينيّة المتطرّفة من أجل إنهاء التمويل الحكوميّ لإذاعة «كان»، في سلوك يراه صنّاع الأفلام في إسرائيل هجومًا جديدًا على حرّيّة التعبير.

"«كان» تقدّم كلّ هذا الحوار"، تقول إفغي، وتكمل: "يهوديّ، ومتديّن، وعربيّ، وفلسطينيّ، للأطفال وللكبار. ولا شيء محرّم هناك. أشعر أنّ من الخطر إغلاق هذا الخيار".

الكثير من صنّاع الأفلام يقاومون هذه التغييرات. المئات، بمَنْ فيهم كوليرين وروتيم، رفضوا التوقيع على التعهّد الخاصّ بالوزارة، وكثيرون يعترضون على برنامج منح المستوطنات. ناداف لابيد، أحد أهمّ وأكثر المخرجين صراحة، انتقد بشدّة القيود الحكوميّة الّتي فُرِضَت على عمله «الركبة» (2021)، الّذي حصل على جائزة خاصّة في «مهرجان كان».

كوليرين قال إنّه ينسّق مع صنّاع أفلام آخرين من أجل المزيد من الاحتجاجات ضدّ هذه القيود الفنّيّة، وأنّ ذلك يعطيه أملًا: "أشعر ببعض التفاؤل، تفاؤل لم يكن لديّ لفترة طويلة"، لكنّه لم يجمّل الكلام عندما تحدّث عن حكومة نتنياهو الجديدة الّتي شبّهها بـ "سيرك كلام مجنون ومنفلت العنان".

روتيم تقول إنّ الحكومة الجديدة "سيّئة جدًّا جدًّا ومخيفة"، لكنّ ذلك عزّز فقط من إصرارها على صناعة أفلام سياسيّة. "بالنسبة لي، من السياسيّ أن نظهر النساء في إسرائيل بصورة عميقة: أعني العربيّات واليهوديّات… لأنّي لا أعتقد أنّ ثمّة أفلام كافية تفعل ذلك".

 

جيّد كفاية بالنسبة لـ ’إسرائيليّ‘

بالنسبة لقشّوع، وهو كاتب تلفاز مخضرم، وكاتب أعمدة صحافيّة، فإنّ سؤال الهويّة في الأفلام الإسرائيليّة والفلسطينيّة ظاهر بشكل أكبر من العادة. بعد مسيرة طويلة من محاولة الكتابة عن التجربة الفلسطينيّة بالعبريّة، طريقة من أجل الوصول إلى الإسرائيليّين، هاجر قشّوع إلى الولايات المتّحدة عام 2014، حين فقد الأمل بعد تحريض متطرّفين يهودًا على مراهق فلسطينيّ انتقامًا لخطف فلسطينيّين جنديًّا إسرائيليًّا. الآن، من سانت لويس، يعمل كاتبًا ومحرّرًا قصصيًّا لمسلسلات إسرائيليّة تدور حول قصص فلسطينيّة ويهوديّة - بما في ذلك مسلسل «شتيزل» الّذي لاقى نجاحًا عالميًّا، ويركّز على اليهود الحريديّين، والمسلسل المنبثق عنه الّذي سيصدر قريبًا «مدراسا»، الموجّه لليافعين، عن مدرسة ثنائيّة اللغة، عربيّة- عبريّة.

اختيار صنّاع أفلام إسرائيليّين صناعة أفلام تتركّز على قصص فلسطينيّية قد يكون فعلًا سياسيًّا راديكاليًّا في حدّ ذاته، كما يؤمن قشّوع، وينبّه إلى أنّ معظم الكلام في «ليكن صباحًا» بالعربيّة، اللغة الّتي قلّلت إسرائيل من مكانتها كلغة وطنيّة عام 2018، أمر مضحك على جهتين، خاصّة أنّه كتب روايته بالعبريّة متعمّدًا.

"فكرة أنّ هذا الفيلم ’إسرائيليّ‘ تتعارض تمامًا مع فكرة أنّ اسرائيل دولة يهوديّة"، يقول قشّوع، ويضيف أنّه تمنّى لو أنّ مخرجًا فلسطينيًّا حوّل روايته إلى فيلم، فإنّه سعيد بما أنجزه كوليرين.

"إنّني أحبّ هذا الفيلم بحقّ، وهو بالكاد استشراقيّ… وهو إنجاز كبير بالنسبة إلى مخرج إسرائيليّ"، يمزح مستحضرًا كتاب إدوارد سعيد حول الاختزال والأذى الّذي تحمله العدسة الغربيّة حين تنظر إلى الثقافة الشرقيّة.

 


 

روزَنَة: إطلالة على الثقافة الفلسطينيّة في المنابر العالميّة، من خلال ترجمة موادّ من لغات مختلفة إلى العربيّة وإتاحتها لقرّاء فُسْحَة - ثقافيّة فلسطينيّة. موادّ روزَنَة لا تعبّر بالضرورة عن مبادئ وتوجّهات فُسْحَة، الّتي ترصدها وتنقلها للوقوف على كيفيّة حضور الثقافة الفلسطينيّة وتناولها عالميًّا.